في عام 1700، خرج عالم الرياضيات الفرنسي لابلاس (Laplace) بنظرية مفادها أنه إذا كان هناك حقل جاذبية لجسم ما وكان قوياّ بما فيه الكفاية فإن الضوء وبطريقة ما لايستطيع الافلات من هذا الحقل ونتيجة لذلك سوف يبدو مظلما، ولكن هذه النظرية ظلت بلا برهان حتى جاء ألبرت آينشتاين بنظرية النسبية العامة في عام 1915، وبدأ الفيزيائيون بدراسة معادلاتها بالتفصيل والتي بدأت في دعم نظرية لابلاس .
وحسب النظرية النسبية العامة فإن الجاذبية تقوس الفضاء الذي يسير فيه الضوء بشكل مستقيم، مما يعني أن الضوء يتأثر وينحرف تحت تأثير الجاذبية، أما الثقب الأسود فإنه يقوس الفضاء إلى حد انه يمتص الضوء الذي يمر بجانبه بفعل جاذبيته، ولا يمكن لأي موجة أو جسيم الافلات من منطقة تأثيره فيبدو أسود، لذلك تبدو الثقوب السوداء عبارة عن حفرة مظلمة في منطقة ما من المكان والزمان وهي ذو كثافة عظيمة وتأثير جذبي هائل.
وهناك جزءان في الثقوب السوداء هما القلب وأفق الحدث، إذا استطعت أن تأخذ شريحة من مركز الثقب الأسود فهو يشبه هذا:
أفق الحدث (حدود منطقة من الزمان والمكان التي لا يمكن للضوء الإفلات منها) هو منطقة حول نقطة أو مركز جاذبية حيث تصبح قوة الجاذبية فيها لانهائية لدرجة ان الضوء لايستطيع الافلات منها إلى خارج الكون بل يسحب إلى داخل الثقب. ويعتبر جزء من الثقب الأسود. إذا أتيح لك أن تسقط في ثقب اسود، سيكون من المستحيل لك أن تعرف متى تمر من أفق الحدث (فهو ليس بالجزء الملموس).
وكذلك قلب الثقب ليس بالشيء الملموس أيضا، وطبقا لنظرية النسبية فإن مركز الثقب ( وهو نقطة الانهائية في الكثافة ) هو نقطة تقوس الزمن الفضائي اللانهائي. هذا يعني أن قوة الجاذبية قد أصبحت قوية بشكل لانهائي في مركز الثقب الأسود، وكل شيء سيكون مصيره السقوط في هذا الثقب إذا مر بأفق الحدث بما في ذلك الضوء، وستصل في نهاية الأمر إلى مركز الثقب ( حيث النقطة اللانهائية من الكثاقة )، وقبل أن تصله فإنه قد يكون قد مزق بفعل قوة الجاذبية الحادة، حتى الذرات نفسها سوف تتمزق بفعل تلك الجاذبية.
تكون الثقب الأسود
تخيل نجم هائل وأكثر بكثير من شمسنا، وذو كتلة عظيمة، يطلق عليها الكتلة الحرجة، التي هي كبيرة لدرجة كافية لتكون سببا في تكون الثقب الأسود. فما هو السبب الذي يحمي هذا النجم من الانهيار داخل نفسه ليصبح ثقب أسود؟ إن الجواب بأن هناك ضغط عالي جدا من جراء التفاعلات النووية داخل النجم. وعندما يستهلك هذا الوقود والذي يغذى تلك التفاعلات النووية عندها لا يستطيع هذا النجم العملاق أن يدعم نفسه بعد ذلك، وعندها يبدأ النجم في الانهيار على نفسه مشكلا ثقبا اسوداَ.
من الجدير بالاهتمام أن نتابع تطور وتشكل ثقب أسود نتيجة انهيار نجم، ولكن في الحقيقة انه من المحال مراقبة الخطوات النهائية لتشكيل الثقب من مرجع خارجي ثابت. والمرجع الخارجي هو مكان حيث يمكن مشاهدة التشكيل من بعيد، مثل الرصد الفلكي من على الأرض. بالإضافة إنه مستحيل أن نرى سقوط أي جسم داخل الثقب. ولا يعني القول أن الجسم يثبت للحظة قبل دخوله إلى الثقب، فإن سقوط جسم في الثقب يصاحبه خفوت في لمعان الجسم هذا في نظر المراقب للحدث. في الوقت نفسه وعندما يصل الجسم إلى حافة الثقب سيكون أسود بالكامل. هذا التّأثير يسمى التوهج الجذبي وسببه الجاذبية الهائلة قرب الثقب الأسود.
أحجام ودرجة حرارة الثقب الاسود
تكون الثقوب السوداء الأكبر هي الأبرد من حيث درجة الحرارة لأن ما تسمى بدرجة حرارة هوكنج تقاس بالبلايين درجة فوق الصفر المطلق. وعلى العكس الاشد حرارة هي الثقوب السوداء المجهرية او الصغيرة والتي لها أقل من تريليون غرام من الكتلة ودرجات حرارة تزيد من مليون درجة إلى التريليونات من الدرجات حتى تتلاشى.
الثقوب السوداء الكمية التي لها كتلة 0.00001 غرام وحجم يساوي 10³³ سنتيمترات ودرجات حرارة تبخيرهم تساوي 10 ³² درجة، يجعل من تلك الأجسام المحتملة الأشد حرارة في الكون. هذا إذا وجدت.
أشياء مثيرة حول الثقوب السوداء
إذا تمكنت لتكون قريب بقدر كافي من ثقب أسود، فسوف ترى مؤخرة رأسك! هذا التّأثير الذي سمي حلقة إينشتاين، وسببه الجاذبية الحادة حول الثقب الأسود. وعندما تقترب من الثقب الأسود وعند بعد معين فإن الضوء والذي تراه يخرج من مؤخرة رأسك سوف يسافر خلال الفضاء وسوف ينحني أو يميل كثيرا بفعل الجاذبية فسوف يدخل إلى عينك.
أدلة وجود الثقوب السوداء
هناك العديد من الطرق تستخدم لتحديد ما مدى وجود ثقوب سوداء في كوننا. الطريقة الأولى هي أن نبحث عن أجسام في كوننا ذات قدر كبير من الكتلة وصغير جدا في الحجم. كمثال لذلك يمكنا أن نبرهن على أن هناك ثقب اسود في M 87 هذا الشيء يزن اكثر من ثلاثة بليون مرة من شمسنا، لكنه ذو حجم لا يتعدى حجم نظامنا الشمسي.
طريقة أخرى لتأكيد وجود ثقب أسود وهي البحث عن معجلات أو مسرعات الأشياء، حيث أن للثقب الأسود هذا المجال أو حقل الجاذبية الهائل، فإن هذا المجال يساهم في تعجيل إي شئ يقترب منه إلى سرعات هائلة، والتعجيل أو التسريع لشيء يمكن أن يلاحظ عن طريق تأثير دوبلر في إزاحة الضوء.
أنواع الثقوب السوداء
حيث أن الجاذبية تزيد بنسبة عكسية مع الحجم فإن الثقوب السوداء يمكن أن تتكون وتتطور بكتل مختلفة، فأي كمية من المادة والتي تضغط بما فيه الكفاية ستصبح ثقب أسود، وهناك بعض التصنيفات لتشكل الثقوب طبيعيا.
الثقوب السوداء العملاقة
الثقوب السوداء العملاقة هي ثقوب ذات كتلة تقدر بين مئات آلاف وعشرات البلايين من الكتلة الشمسية، وهناك عدة طرق لتشكل الثقوب السوداء العملاقة منها نمو الثقب عن طريق زيادة المادة التي يسحبها من المحيط من حوله، وقد يكون تشكل الثقوب العملاقة حدث مباشرة وبتأثير الضغط الخارجي عند بداية الكون وفي المرحلة الأولى من الانفجار العظيم.
الثقوب السوداء المتوسطة الكتلة
هي ثقوب ذات كتلة أكبر من الثقوب النجمية (عشرات من كتلة الشمس) وأقل بكثير من الثقوب السوداء العملاقة (بضعة ملايين كتلة الشمس). وأدلة وجود هذا النوع قليلة مقارنة مع النوعين الاخرين العملاقة والنجمية، كما أن كيفية تشكل تلك الثقوب مازال ليس واضحا ، فمن ناحية يري العلماء أن تلك الثقوب هائلة جدا لأن تكون قد تشكلت بإنهيار نجم واحد (وهذا تفسير تشكل الثقوب السوداء النجمية)، ومن الناحية الأخرى فإن بيئة تلك الثقوب تفتقر إلى الظروف القاسية مثل الكثافة العالية والسرعة الملاحظة في مراكز المجرات التي تؤدي إلى تشكيل الثقوب العملاقة، ولكن العلماء قد فسروا طرق التشكل بإحتمالين، الطريقة الأولى هو إندماج الثقوب السوداء النجمية مع أجسام مضغوطة أخرى بواسطة الإشعاع الجذبي، والطريقة الثانية هو إصطدام لنجوم هائلة مع تجمعات نجمية كثيفة وإنهيار نتائج هذا الإصطدام متحولا إلى ثقب أسود متوسط.
في نوفمبر 2004 تم إكتشاف ثقب أسود متوسط إطلق عليه GCIRS 13E، وهو الاكتشاف الاول لمثل هذا النوع في مجرتنا درب التبانة، ويقع مداره على بعد ثلاث سنوات ضوئية من النجم Sagittarius A ، ويصل كتله الثقب حوالي 1,300 كتلة شمسية ضمن تجمع من سبعة نجوم، الذي من المحتمل أنه بقايا تجمع نجمي هائل والذي تفكك بفعل جذب من مركز المجرة، إلا أن هناك بعض العلماء قد شككوا في وجود مثل تلك الحفر بالقرب من مركز المجرة.
وفي يناير 2006 أعلن فريق من الفلكيين في جامعة آيوا عن إكتشاف جديد وهو مرشح أن يكون ثقب أسود متوسط الكتلة اطلق عليه M82 X-1 ، ويدور حوله نجم أحمر عملاق أحمر ويجذب محتوياته إليه. \
ومازال النقاش حول الوجود الحقيقي للثقوب السوداء المتوسطة مفتوحا وتختلف أراء العلماء حوله.
الثقوب السوداء النجمية
وهي التي تشكلت بإنهيار نجم هائل (3 أو أكثر من الكتل الشمسية) في نهاية عمره. وهذه العملية تلاحظ كإنفجار سوبرنوفا أو كإنفجار شعاع غاما، مثل تلك الحفر يكون كتلتها على الاقل 1.44 كتلة شمسية ، وأكبر ثقب معروف لهذا النوع هو بكتلة 14 كتلة شمسية.
الثقوب السوداء الدقيقة
وتسمى أيضا الثقوب السوداء الكمومية، وهو ثقب أسود صغير جدا تلعب تأثيرات ميكانيكا الكم دور مهم في تفسيره. وحاليا يجهز العلماء لإطلاق تليسكوب فضائي جديد وحساسا بدرجة عالية لإكتشاف نظرية وجود الثقوب السوداء الدقيقة التي قد تكون ضمن نظامنا الشمسي، ويقول العلماء أن ذلك يمكن أن يختبر نظرية جديدة تفترض وجود البعد الخامس للجاذبية والتي تنافس نظرية النسبية إذا تواجدت تلك الثقوب الدقيقة في الحقيقة.
تخليق ثقوب سوداء على الارض
يعتقد العلماء أنهم سيكونون قادرون على خلق ثقوب سوداء، بإستعمال طريقة تحطيم الذرة خلال الخمس سنوات القادمة، ويعتقدوا أن مسرع المادة في المركز الأوروبي للبحث النووي سيكون قادرا على خلق ثقب أسود واحد كل ثانية، وهذا المسرع سوف يقذف البروتونات والبروتونات المضادة سويا بالقوة الكافية التي تخلق قدر رهيب من الحرارة ومن كثافة الطاقة لم ترى منذ البلايين الاولي من الثواني بعد الانفجار الكبير. الطاقة الناتجة يجب أن تكون كافية لتكوين العديد من الثقوب الصغيرة جدا بكتلة بضعة مئات من البروتونات، ومثل تلك الثقوب بهذا الحجم سوف تتبخر فورا، فبينما الثقب الاسود العادي يبعث بإضاءة ضعيفة وتبخر بطئ جدا، فإن الثقب الاسود المجهري (حوالي 1,000 مرة كتلة البروتون) سوف يظهر وبعد ذلك ينتهي في حوالي 10–27 من الثانية وذلك بليون على بليون من النانو ثانية.
وسيتم الكشف عن وجودهم بواسطة إنفجارات موتهم عن طريق إشعاع هوكنك، والثقوب السوداء المجهرية تظهر وجودها على نحو مختلف، فعلى الرغم من سمعة الثقوب السوداء في ان ضوئها لا يستطيع الهروب منها، إلا أنه ومع نظريات ميكانيك الكم التي تجعل من موتهم وإنبعاث لما يسمى بإشعاع هوكنك الذي هو السبب في تبخرهم، وهذا الإشعاع يشتد عند تبخير الثقب وإنكماشه، مما يتيح للعلماء إستنتاج مكونات الثقب وكيفية التعامل معه.
ويرجع سبب بحث العلماء في إشعاع هوكنك، كون أن هناك لغز كبير حول أن إشعاع هوكنك قد يحتوي على أية معلومات حول الجزيئات التي شكلت الثقب الاسود في البداية، أو التي سقطت فيه لاحقا. تلك الجزيئات كان لديها شحنة، وكيان، وخصائص أساسية أخرى والتي من المحتمل أن لم تزول بتأثير الثقب الاسود. وأيضا أن معرفة الطريقة الدقيقة الذي تموت فيها الثقوب السوداء قد يعطينا معلومات أكثر عن الأبعاد الاخرى في الكون. آخر النظريات حول اللانفجار الكبير واللحظات الأولى لبداية الكون تقترح أن هناك أكثر من أربعة أبعاد (ثلاثة من الفضاء، وواحد هو الزمن) والتي نتعامل بها حاليا.