مدونة هادفة مختصة في مجال المعرفة

لا شيء أكبر وأغرب من الكون! فالكون لا نهائي، غير معلوم الهيئة، ولا توجد له حدود حقيقية، ولا يمكن معرفة موقع نقطة بدايته، ولا نقطة نهايته. فنحن نعيش في هذا العالم الصغير على كوكب الأرض داخل ما يشبه «شرنقة» كونية غير معلومة الهيئة داخلها وخارجها، لكننا وخلال فترات متلاحقة استطعنا أن نتعرف على بعض الأجزاء الصغيرة جداً داخلها، والتي تعتبر نقطة -أو أقل من ذلك- في بحر هذا الكون الفسيح.



بعض هذه الأجزاء موجودة في هيئاتٍ تُشكّلها النجوم، والانفجارات الكونية، وحبّات الغبار الكوني المُتراكمة، والمجرّات، وغيرها من الأسرار الكونية التي لم تكتشف بعد، فمادة الكون نفسه غير معلومة التركيب.

لكن يظل سحر الكون يأخذنا لأبعد من ذلك، وأبعد من عد النجوم ليلاً، أو مراقبة بعض الكواكب التي تظهر في فجر أيام محددة، يأخذنا هذا السحر للهياكل العملاقة في الكون التي تتشكل فيه دائماً وباستمرار من النجوم فحسب:

الشبكة الكونية – The Cosmic Web

يؤمن العلماء بأن الكون ليس عشوائياً، وهو بالفعل كذلك، وأنه وبشكلٍ نظري يتم تنظيم المجرات فيه في بُنية هائلة تشبه الخيوط المتشابكة التي تربط المناطق الكثيفة ببعضها، وتتخللها فراغات تكون أقل كثافة، يُطلق عليها اسم «الشبكة الكونية».

يُعتقد أن هذه الشبكة وُجدت مع بداية الكون نفسه في وقتٍ مبكر جداً بعد الانفجار الكبير “Big Bang”، جدار هذه الشبكة الكونية مُكوّن من الحشود المجرّية أو ما يعرف بعناقيد المجرّات. كما يُعتقد أن تلك الخيوط الشبكية تلعب دوراً كبيراً في توسع الكون.

فالمجرات داخل هذه الشبكة الكونية، لديها مُعدل أكبر في تكوين النجوم، وأكثر عرضة لتفاعل الجاذبية مع المجرات الأخرى، وهي عملية يُرجح استمرارها حتى الآن.

جدار هيركوليس، كورونا الشمالي العظيم – The Hercules – Corona Borealis Great Wall 



يعتبر ثاني أكبر الهياكل العملاقة في الكون اكتشف بواسطة فلكيين ضمن مشروع البحث في انفجارات أشعة جاما في الكون، يمتد هذا الهيكل خلال مسافة تقدر بنحو “10 مليار” سنة ضوئية، مما يجعله ضعف الهيكل الدائري لانفجارات أشعة جاما «GRB»، وربما يحتوي على تركيزات كثيفة جداً من المجرات والمواد الأخرى.


انفجارات أشعة جاما الدائرية –  GRB

يعتبر هذا الهيكل الناجم عن انفجارات أشعة جاما، هو ثالث أكبر الهياكل العملاقة في الكون، تحدث تلك الانفجارات نادراً في الكون بمعدل 1 إلى 20 ألف مرة، ولذلك يعتبر من أحد أكبر الهياكل العملاقة في كوننا.

ببساطة؛ هو عبارة عن هيكلٍ دائري الشكل مُكون من انفجارات هائلة لـ “أشعة جاما – Gamma Ray Bursts”، ناجمة عن خروج طاقة هائلة من النجم عند موته، يمتد هذا الهيكل في الكون خلال مسافة تقدر بنحو “7 مليارات” سنة ضوئية.

هذه الانفجارات تحدث كتسعة انفجارات تقع جميعها على مسافة ما متماثلة وموحدة من الأرض، مُشكلةٍ بذلك هيكل دائري يصل قطره إلى 70 ضعف قطر القمر كاملاً.

مجموعة الكوازارات الهائلة في الكون – The Huge-LQG

هي منطقة نشطة للغاية في مركز المجرة، تعمل بواسطة طاقة الثقوب السوداء الهائلةK هذه الكوازارات تُنتج طاقة تفوق ما ينتجه أي شيء في مجرتنا بنحو 1000 مرة، الهيكل المتواجد حالياً يحتوي على نحو 73 كوازار، مُبعثرين في مساحة كونية تقدر بأكثر من 4 مليارات سنة ضوئية.

عناقيد المجرات الداخلية – Laniakea Supercluster



اكتشفت في سبتمبر من العام 2014، حين قامت مجموعة مكونة من فلكيين من جامعتي “هاواي” و”ليون” بنشر تعريف جديد لعناقيد المجرات اعتماداً على السرعة النسبية للمجرات، وحدود تدفق جاذبيتها.

وببساطة يمكن تعريفها على أنها مجموعة من المجرات تتصل ببعضها في شكل مجموعات، تشمل هذه المجموعات نحو 100.000 مجرة، وذات كتلة تعادل نحو 1017 كتلة شمسية، أو تعادل 100 ألف مرة لمجرتنا، وتمتد على طول 520 مليون سنة ضوئية.

الجدار العظيم في الكون –CfA2 Great Wall

اكتشف بواسطة كلا من الفلكيان “مارغريت جون جيللير” و”جون بيترهوخارا” عام 1989، خلال مشروع قياس الانزياح الأحمر لأطياف المجرّات، وذلك في مركز “هارفارد- سميثونيان” للفيزياء الفلكية.
هذا الجدار في الكون هو نوع من أنواع العناقيد المجرّية الهائلة، التي تحتوي على كمياتٍ هائلة من المجرات المُتراصة في هيئة خيوط مُتشابكة، يبلغ طول هذا الهيكل نحو 500 مليون سنة ضوئية، وعمقه يصل لنحو 16 مليون سنة ضوئية.
جدار سلووان العظيم
هناك أيضاً ما يعرف باسم “جدار سلووان العظيم – The Sloan Great Wall” الذي اكتشف عام 2003 عن طريق الماسح الرقمي “Sloan”، وهو عبارة عن رسم تخطيطي لميارات المجرات التي تسافر بمقدار كبير في الكون، يمتد هذا الجدار في الكون خلال مسافة كونية مقدرة بنحو 1.4 مليار سنة ضوئية.

عناقيد المجرات أو تركيزات شابلي – The Shapely Supercluster


اكتشفها الفلكي الأمريكي “هارلو شابلي” عام 1920، هذا الاكتشاف هو عبارة عن أكبر تجمع أو تركيز للمجرات في كوننا، والذي يشكل وحدة تفاعل الجاذبية، وبالتالي ينجذب على نفسه بدلاً من التوسع مع الكون.

ويظهر بشكلٍ ملفت على هيئة كثافة عالية في توزيع المجرات في كوكبة “قنطورس” التي تجذب المجرات نحوها بما فيها مجرتنا “درب التبانة” بسرعة 2.2 مليون كم/ساعة، تحتوي هذه العناقيد على ما يزيد عن 8 آلاف مجرة ذات كثافة عالية تعادل كتلة أكبر من كتلة 10 مليون شمس.

الفقاعات الكونية حديثة الاكتشاف – The Newfound Blob

في العام 2006 كانت تسمى هذه الهياكل الكبيرة في الكون بـ “الفقاعات الغامضة”، لكن سرعان ما فقدت لقبها هذا بعد التعرُّف على ماهيتها، فهي عبارة عن كتلة عملاقة من الغاز والغبار الكوني والمجرات، التي تشغل مساحة نحو 200 مليون سنة ضوئية، وتبدو وكأنها مجموعة من قناديل البحر الخضراء.

اكتشفها مجموعة من العلماء اليابانيين الذين كانوا يعملون على دراسة تلك المناطق الغامضة في الكون، والتي تتميز بوجود تركيزات كبيرة من الغاز فيها، ولمعرفة ماهيتها عن قرب وضع هؤلاء العلماء فلترات مخصصة للقيام بتلك المهمة التي أوضحت أنها عبارة عن فقاعات أو سوائل كونية.

الفراغ الكبير في الكون – The Supervoid

مؤخراً اكتشف العلماء أكبر منطقة فراغية معروفة في كوننا، وتقع هذه المنطقة في جنوب مجموعة النجوم المسماه “Eridanus” والتي تمتد مسافة تقدر بــ 1.8 مليار سنة ضوئية، وهي منطقة حيّرت العلماء كثيراً، ولم يعتقد أحد أن تلك المنطقة قد توجد بالفعل.

كلمة فراغ في الفضاء لا تعبر عن شيء فارغ بالمعنى الحرفي، بل هي منطقة في الفراغ موجودة ضمن كثافة ضئيلة، وفي هذه الحالة تحتوي على أقل من 30% من المجرات داخلها مقارنة بالمنطقة المحيطة بها، هذه الفراغات تشكل نحو 50% من الكون كله، وهذا الرقم مرشح للزيادة بسبب أن الجاذبية العالية للأجرام السماوية في الفضاء تجذبها نحو مركزها.

هذه الفراغات لها حقيقتين هما: حجمٌ هائل، وعلاقة وجودها في الكون بظهور بقعة باردة في قياسات مسبار “ويلكينسون” لقياس اختلاف الموجات الراديوية “WMAP”.

قَدّم تفسير وجود هذه الفراغات أجوبة لظهور البقع الباردة في صور المسبار، وهي المنطقة التي تبدو منطقة فارغة وكبيرة في إشعاع الخلفية الكونية، فوضعت العديد من النظريات لشرح تلك البقعة الباردة من كوننا التي تدور حول ثقب أسود.

يعتقد العلماء اليوم أن تلك البقعة الباردة ظهرت نتيجة وجود الفراغات في الكون كبروتونات تمر عبر الفراغ، والتي تضعف طاقتها وتُفقد عند المرور به، وهناك قول آخر يفيد بأن ربط وجود هذه الفراغات في الكون بمكان وجود البقعة الباردة هو مجرد صدفة، لذا يحتاج العلماء للمزيد من الدلائل التي تثبت ما إذا كانت الفراغات الكونية هي المتسببة فعليًا في ظهور تلك البقع الباردة، أم أن الفراغات الكونية هي شيءٌ آخر في حاجة لاكتشافه.

أخيراً.. وربما تلك القائمة هي ليست الوحيدة والأكيدة التي تستعرض الهياكل العملاقة في الكون، فنحن نسير بتسارعٍ كبير نحو المجهول وفقاً لسريان الكون. وأثناء سيرنا هذا، تحدث مليارات العمليات الكونية الخفيّة، والتي من خلالها سنعثر على المزيد من الهياكل الكونية المختلفة لاحقاً، أو ربما سنعثر على شيء آخر غير معهود، أوربما سيدركنا الأمر قبل ذلك!
فى : التعليقات 0

ليست هناك تعليقات على : تعرف معنا على اهم الهياكل العملاقة الموجودة في كوننا

أضف تعليق: تذكر قوله تعالى: (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))